السبت، 22 سبتمبر 2012

أطفال جنوب سيناء.. "شوف القسوة" بتعمل إيه؟!



مدرسة ابتدائية لكل 652 كيلو متراً.. وإعدادية لكل 973 كيلو متراً.. وثانوية لكل 2142 كيلو متراً

    لم يفزعني شبح ترآي لي وسط جبال سيناء في ليلة نصف قمرية، رأيته رأي العين، للحظة تصورت أنه خداع بصري سرعان ما سيختفي ولكنه لم يختف بل راح يقترب مني حتي لم يعد يفصل بيننا سوي بضعة أمتار
    .. كان يرتدي ملابس بيضاء، ولما اقترب مني دققت النظر في وجهه لكنه فجأة اختفي.
    لم يفزعني هذا المشهد رغم أنه قد يفزع الكثيرين، ولكن ما أفزعني لدرجة التجمد هو مجموعة أرقام وبيانات رسمية عن أطفال جنوب سيناء.
    اعتبرت الشبح الذي رأيته مجرد خيال وهلاويس نهاية يوم عمل شاق.. أما البيانات الرسمية التي تتحدث عن أطفال الجنوب فلم تكن أبداً هلاويس ولا خيالات ولكنها واقع أفظع من أي كابوس.
    الأرقام الرسمية تقول: إن عدد سكان جنوب سيناء حوالي 159 ألف نسمة منهم حوالي 15 ألف طفل أعمارهم أقل من 6 سنوات، هؤلاء الأطفال جميعاً ليس لهم سوي 8 حضانات فقط منها 5 في الطور و2 في شرم الشيخ وواحدة فقط في رأس سدر، أما طابا ونويبع ودهب وكاترين وأبورديس وأبوزنيمة فليس فيها أية حضانات!
    المدارس ليست أفضل حالاً من الحضانات، في جنوب سيناء 92 مدرسة منها 46 مدرسة ابتدائية و32 مدرسة اعدادية و14 مدرسة ثانوية، وإذا علمنا أن مساحة جنوب سيناء تبلغ حوالي 30 ألف كيلو متر مربع فمعني هذا أن هناك مدرسة ابتدائية واحدة لكل 652 كيلو متراً مربعاً ومدرسة اعدادية لكل 973 كيلو متراً مربعاً ومدرسة ثانوية لكل 2142 كيلو متراً مربعاً.

    أرقام تلاميذ المدارس تثير الفزع أيضاً - فحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء - فإن تلاميذ المدارس الابتدائية في جنوب سيناء بلغوا في العام الدراسي الماضي حوالي 12 ألف تلميذ ولكن العدد انخفض إلي حوالي 4500 في المدارس الاعدادية، وانهار العدد تماماً في المرحلة الثانوية فبلغ 820 طالباً فقط!.. ولنا أن نتخيل والحال هكذا بنسبة المتسربين من التعليم في مدارس جنوب سيناء.
    الأرقام الصادرة عن المركز القومي للبحوث تثير الفزع هي الأخري علي أطفال الجنوب، فبعد دراسة وبحوث قام بها المركز لمدة 3 سنوات في جنوب سيناء اكتشف أن 19٪ من الأطفال هناك يعانون من قصر القامة الناتج عن سوء التغذية منهم 27٪ من طلاب المراحل الابتدائية و63٪ من المراهقين وهو ما يؤثر علي التحصيل الدراسي للتلاميذ.
    والمفاجأة أنه رغم التجاهل الحكومي ورغم قسوة الحياة في الصحراء إلا أنني وجدت أطفال البدو أشبه بالزهور البرية يملأوها الحياة والحب والأمل وتبعث علي البهجة.. تحدثت مع كثير من الأطفال فلم يشك لي أحد منهم صعوبة المواصلات ولا بعد المسافات بين بيته ومدرسته ولكنني وجدت كل واحد منهم يحتضن في قلبه الصغير حلماً كبيراً.. حلماً في بياض الياسمين ونقاء قطرات الندي وطهارة القديسين.
    «إسماعيل» 10 سنوات - أحد أطفال وادي سدر - قال لي: «أنا نفسي أطلع ضابط علشان أقبض علي الحرامية».. أما حذيفة 7 سنوات، فقال: «عايز أطلع محامي علشان أدافع عن المظلومين».. وشعبان 13 سنة - الذي كان يعبث في قمامة شرم الشيخ التي يلقونها في وادي الخنصر - فقال: «إن شاء الله هاكون دكتور».
    هكذا يعيش أطفال جنوب سيناء.. وهكذا يحلمون.

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق